مقدمة تحليلية
تمثل حماية السيادة الاقتصادية والسياسية للعراق جوهر الاستقلال الوطني وضمان استدامة التنمية. في ظل التطورات الدولية الراهنة وتعيين مبعوثين أمريكيين بمهام ذات طابع اقتصادي واستراتيجي، تتعاظم الحاجة إلى تأسيس إطار قانوني ودستوري محكم يستند إلى الدستور العراقي والقانون الدولي ويُترجم إلى قوانين وطنية واضحة تمنع هيمنة القوى الخارجية على القرار الاقتصادي الوطني.
أولاً: الأساس الدستوري العراقي
يستند مفهوم السيادة الاقتصادية في العراق إلى عدد من المواد الواردة في دستور عام 2005، وهي:
• المادة (8): تؤكد التزام الدولة العراقية بمبادئ القانون الدولي واحترام سيادة الدول الأخرى على أساس المصالح المتبادلة.
• المادة (110): تحدد اختصاصات السلطات الاتحادية، ومنها رسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية.
• المادة (111): تنص على أن النفط والغاز ملكٌ لكل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات.
• المادة (112): تُنيط إدارة النفط والغاز بالحكومة الاتحادية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، لضمان التوزيع العادل للعائدات.
• المادة (25): تلزم الدولة بتحديث الاقتصاد العراقي وإدارته على أساس السوق المنظم لضمان العدالة الاجتماعية.
• المادة (130): تنص على بقاء التشريعات النافذة ما لم تُلغَ أو تُعدل وفقًا للدستور.
هذه المواد تُشكل الإطار الدستوري للسيادة الاقتصادية، لكنها تحتاج إلى قوانين تكميلية تُحدد أدوات التطبيق وآليات الرقابة والتفاوض.ثانياً: الأساس القانوني الدولي
تؤكد مبادئ القانون الدولي العام على سيادة الدول في إدارة مواردها الطبيعية، استناداً إلى:
• قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1803 لسنة 1962: (الحق الدائم في السيادة على الموارد الطبيعية)، الذي يمنح الدول حقاً مطلقاً في التصرف بمواردها بما يخدم التنمية الوطنية.
• العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966): يؤكد في المادة (1) على حق الشعوب في التصرف بثرواتها دون تدخل خارجي، وعلى أنه لا يجوز حرمان أي شعب من موارده الطبيعية.
• ميثاق الأمم المتحدة، المادة (2): مبدأ المساواة في السيادة بين الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
• قرارات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD): تشجع على توازن العلاقات الاقتصادية الدولية وحماية الدول النامية من شروط الاستثمار المجحفة.
بناءً على هذه النصوص، فإن للعراق حقاً قانونياً في رفض أو تعديل أي اتفاقية اقتصادية تُخلّ بسيادته أو استقلال قراره الوطني.ثالثاً: نصوص نموذجية مقترحة لقوانين وطنية
يمكن للعراق أن يسنّ قانونًا وطنيًا جديدًا يُعرف باسم:
«قانون حماية السيادة الاقتصادية والسياسية لجمهورية العراق لسنة 2025».
الذي يهدف إلى ترسيخ مبدأ أن الموارد الوطنية، والعقود الاستراتيجية، والسياسات المالية، تخضع لرقابة برلمانية وقضائية، وتُدار وفق مبادئ الشفافية والمصلحة الوطنية العليا.الملحق القانوني: مسودة قانون حماية السيادة الاقتصادية والسياسية لسنة 2025
المادة (1): تُعد الموارد الطبيعية، بما في ذلك النفط والغاز والمعادن والمياه، ملكاً حصرياً للشعب العراقي، ولا يجوز التنازل عن ملكيتها أو إدارتها لجهة أجنبية إلا وفق قانون خاص يُصادق عليه البرلمان بأغلبية الثلثين.
المادة (2): تُعتبر أي اتفاقية اقتصادية أو استثمارية ذات طابع استراتيجي غير نافذة ما لم تُعرض على مجلس النواب للمصادقة.
المادة (3): تلتزم الحكومة العراقية بتضمين عقودها الاستثمارية بنوداً تضمن:
أ. نسب تشغيل لا تقل عن 60% من العمالة العراقية.
ب. نقل المعرفة التقنية والإدارية خلال مدة العقد.
ج. خضوع كل العمليات المالية والمحاسبية للتدقيق الوطني.
المادة (4): يُحظر على أي جهة خارجية فرض شروط سياسية أو عسكرية مقابل استثمارات اقتصادية، ويُعدّ ذلك تدخلاً في الشؤون الداخلية يعاقب عليه القانون.
المادة (5): يُنشأ مجلس أعلى لحماية السيادة الاقتصادية برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية وزراء المالية والنفط والتخطيط والخارجية، تكون مهمته مراجعة العقود الدولية ومراقبة تنفيذها وضمان توافقها مع المصلحة الوطنية.
المادة (6): تُنشأ هيئة وطنية مستقلة للشفافية والحوكمة الاقتصادية ترتبط بمجلس النواب، تُكلف بنشر تقارير دورية حول إدارة الموارد والعقود الدولية.
المادة (7): تُحظر أي اتفاقيات تمنح امتيازات حصرية لأطراف أجنبية تتعارض مع مبدأ المنافسة العادلة أو تهدد استقلال القرار الاقتصادي.
المادة (8): يجوز للحكومة العراقية مراجعة أو تعديل أي عقد أو اتفاقية اقتصادية إذا ثبت أنها تضر بالمصلحة الوطنية أو تخالف أحكام هذا القانون.
المادة (9): تسري أحكام هذا القانون على جميع الوزارات والهيئات الحكومية والشركات العامة.رابعاً: المسوغات الدستورية والقانونية
1. إن الدستور العراقي في مادته (111) يقرّ أن الثروات ملكٌ للشعب، ما يعني أن أي تفريط بها دون رقابة تشريعية يخالف المبدأ الدستوري.
2. المادة (130) تُجيز سنّ قوانين جديدة تكفل حماية السيادة إذا اقتضت المصلحة العامة.
3. مبدأ السيادة الاقتصادية مقرر دولياً بموجب القرار الأممي 1803 لسنة 1962، ما يمنح العراق غطاءً قانونياً لمراجعة أو إلغاء العقود المجحفة.
4. قرارات مجلس الأمن (مثل القرار 1546 لسنة 2004) أكدت احترام وحدة العراق واستقلاله السياسي، وهو سند قانوني لمنع أي تدخل اقتصادي مشروط سياسيًا.
5. التزامات العراق باتفاقيات الاستثمار لا تُلغي حقه في حماية مصالحه الحيوية، وفق مبدأ “النظام العام الوطني” المعتمد في القانون الدولي.خامساً: التوصيات التنفيذية
1. تشكيل لجنة دستورية – اقتصادية مشتركة بين البرلمان والحكومة لإعداد مشاريع القوانين الخاصة بحماية السيادة.
2. تفعيل التعاون مع الأمم المتحدة والبنك الدولي في إعداد نماذج عقود عادلة ومتوازنة.
3. إلزام جميع الوزارات بنشر العقود الاستراتيجية ضمن بوابة شفافية وطنية.
4. تطوير القضاء الاقتصادي وتدريب كوادر متخصصة في التحكيم الدولي.
5. استخدام الدبلوماسية الاقتصادية لتأكيد استقلال القرار العراقي في المنتديات الدولية.
خاتمة:
إن تعزيز السيادة الاقتصادية ليس خياراً سياسياً فحسب، بل واجب وطني وأخلاقي لضمان أن يبقى القرار العراقي خاضعاً لمصلحة الشعب، وليس رهينة لضغوط أو هيمنة خارجية. إن هذا القانون المقترح يشكل خطوة في بناء دولة مؤسسات قادرة على حماية مواردها ومصالحها المستقبلية.
لإطار الدستوري والدولي لحماية السيادة الاقتصادية والسياسية للعراق/إعداد: الكاتب والمفكر عباس النوري – العراق
📲
تابع قناة أخبار الناصرية على تلغرام
تصلك الأخبار العاجلة والمواد الحصرية مباشرة على هاتفك.
