نفق الرسول الاعظم ص, ونفق الشيخ الطوسي في النجف الاشرف- انموذجين. 

هل نحن بحاجة الى اعادة بوصلة الحداثة العمرانية في النجف, وتحديدا في العتبة العلوية وملحقاتها الحالية والمستقبلية؟

العمران عادة يتأسس ويقوم بناءاً على امتزاج مفهومين : (الحاجة الى العمران+الإبداع في العمران).

إهمال هذين المفهومين, أو التفريق بينهما في أي وجود بشري عمراني (سواء اكان مدينيّاً حضريّاً, أم غير ذلك), إنما يعني التأسيس للفوضى, فوضى أو انعدام في (الإبداع العمراني), وفوضى أو تيه في فهم (الحاجة أو الضرورة للعمران), وبالتالي فوضى في سياقات الحياة الإنسانية اليومية المعاشة, والتي يتفاعل فيها الإبداع + الحاجة في العمران., مخلفا خلفه سلسلة طويلة من التفاعلات الوظيفية الناتجة عنهما, في مجال الاخلاق الاجتماعية, والحالة الاقتصادية التجارية, وغيرها.

 تقوم فلسفة العمران الحضري في زماننا الراهن على مبدأ إنتاج سياقية وانسيابية في مجريات الحياة اليومية, بطريقة تكون فيها بعيدة عن الفوضى والفوضوية.

محاولة بناء نفقين مهمين في المدينة القديمة في النجف الاشرف, بكوادر العتبة العلوية المقدسة, واللذان يقعان على أطلال السور القديم المشهور لمدينة النجف, إنما يمثلان من وجهة نظر مختصين في العمران الحضري, والبيئي , والاقتصادي, تأسيسا مهما لتحقيق الإدراك البصري المتعلق بانسجام انفعالي ما بين الحالة الروحية للزائر, وما بين تحقيق حالة الفراغ والسعة والهدوء, والتي ستحقق بعد ان يتم سحب زخم الازدحام المروري الكبير والفوضوي الذي تعاني منه المنطقتين المحيطتين بعمران المدينة القديمة, ستحقق الانسجام بين حركة الزائرين وحركة السكان والحركة التجارية الاقتصادية والحركة الاهم: حركة النشاط العلمي والفكري والحوزوي فيها.

 إضافة الى ان فلسفة العمران الحديثة, ترى أن سطح المدينة يجب أن يكون مخصصًا أكثر للإنسان (المشاة، الدراجات، المساحات الخضراء) وليس فقط للسيارات, بطريقة تسمح بتحويل ممرات المدينة القديمة ومداخلها, إلى ممرات حضرية صديقة للإنسان, فكيف والحال اننا نتحدث عن عاصمة التشيع, وفي مركزها الذي يحوي المرقد الطاهر لسيد الموحدين عليه السلام .

إن المدينة القديمة , وما تحويه من أزقة وفروع ومرافق حيوية اجتماعية ومؤسسات وابنية علمية ودينية وتأريخية, باتت تمثل اليوم كتلة واحدة, روحية دينية وتاريخية, وفي جنبة منها : اقتصادية ايضا,  ملحقة في الوجدان الشيعي بعنوان المرقد المشرف لأمير المؤمنين عليه السلام, والعتبة المشرفة التي تحوي مرقده الطاهر, لذا كانت عملية اعادة تخطيط العمران بما يتلائم مع ذائقة الوجدان الشيعي للزائرين والوفود الذين يفدون بالملايين كل عام لهذه البقعة, خطوة مهمة في سحب بواعث الفوضى في الحركة اليومية المعاشة لهذه المنطقة, حيث كانت تستحكم فوضى ثلاثية (التضخم السكاني, والتغول البرغماتي الاقتصادي, والانفجار العددي للزائرين العراقيين والعرب والاجانب), استحكاما قاد الى تخريب الانسجام الانفعالي والادراك البصري والانسجام الروحي للذائقة الشيعية التي تقدس هذا المكان, وذلك لان اطراف هذه الفوضى الثلاثية, قد ضربت الانسجام العمراني في ثلاثيته المثالية (حركة المرور, تضخم المشاريع الاقتصادية, المكانة الروحية والعلمية).

ثلاثية الانسجام العمراني اعلاه تحتاج وبشدة, إلى تنسيق دقيق وصارم جدا, يعطي الأولوية بحسب الترتيب الى المكانة الدينية (الروحية) والعلمية (الحوزوية) لهذا الهيكل الكبير الذي تجسد في العتبة العلوية كمركز, والمدينة القديمة كامتدادات وصدى تاريخي وفكري واجتماعي واقتصادي لهذا المركز, من خلال تنظيم دقيق وصارم لحركة السير والمرور, سواء على صعيد المركبات, ام على صعيد السابلة والمشاة, فكانت أولى خطوات اصلاح هذه الفوضى, هو باعادة ترتيب اوراق العمران الحضري لهذه المنظومة الكبيرة والعملاقة والتاريخية المهمة.  

لذا, نحن نؤيد كثيرا مشاريع العتبة العلوية التي تحاول اعادة تنظيم الفضاءات العمرانية لهذه المنطقة, والتي (وكما اعلنت), سيراعى فيها الحفاظ على الجنبة التراثية والتاريخية, بمشاريع تكون ساندة لبعض الابنية التراثية فيها, بالخضوع لمبدأ (التوفيق بين القديم والجديد) من خلال الحفاظ على عينات معمارية تراثية مميزة (مبانٍ محددة, ازقة, معالم) ودمجها ضمن المخطط العمراني الحديث.

النقطة الاهم التي يجب على ادارة العتبة المقدسة اخذها بالحسبان, هي العمل بمبدأ (المشاركة المجتمعية), من خلال اشراك العقول النخبوية والوجاهية والفكرية والادبية من ابناء مدينة النجف الكرام, والتي تمتلك خبرة بتاريخ النجف, ومعرفة دقيقة بحساسية هذا التاريخ, وضرورة التعامل معه عبر امتداداته العمرانية, بطريقة تحفظ هذا الامتداد (كهوية, وكقدسية, وكعمران).

يجب ان تكون ادوات اشعاع التاريخ والتراث الاجتماعي العمراني, حاضرة في طريقة القفز نحو الحداثة العمرانية, مما يمكن العتبة المقدسة, من الحفاظ على خصوصيتها التاريخية والعقائدية والدينية, وفي نفس الوقت النجاح في تحويلها إلى مركز جذب ديني وعقائدي وسياحي مستوفي لكل شروطه التاريخية والعمرانية والتقنية والتكنولوجية, بما يمكن من اعادة صهر هذا العمران, بطريقة تلحقه بالهوية التراثية التاريخية العمرانية لهذا الكيان العظيم.  

📲
تابع قناة أخبار الناصرية على تلغرام
تصلك الأخبار العاجلة والمواد الحصرية مباشرة على هاتفك.