36.8 C
الناصرية
18 أكتوبر، 2024
أخبار الناصريةألأخبار

ذي قار: أطفال تهرب من نيران العطش والرصاص فتفقد حقها في التعليم

ذي قار: أطفال تهرب من نيران العطش والرصاص فتفقد حقها في التعليم

الناصرية- اسماء الشعلان:

 يُحرم آلاف الأطفال من الدراسة لسوء أوضاعهم المعاشية، إثر نزوح المئات من سكان محافظة ذي قار يومياً من مواطنهم الأصلية صوبَ مراكز المدن للبحث عن العيش، بسبب التغيرات المناخية التي قتلت قراهم، وهربا من النزاعات العشائرية. في الوقت الذي سجل العراق في السنوات الاخيرة ارتفاعا بنسبة الامية وفقا لمنظمة اليونسكو إذ تجاوزات الـ 47 في المائة ، قصص حية تبين لنا أوضاع معيشية لا يحسدون عليها.

(علي) طفل في ربيعه العاشر يقع ضحيةً لنزاع عشائري أفقده مستقبلا كان ينتظره، فبعد ان شاهد النيران مفتوحة على مصرعيها أمام عينه وأذنيه الصغيرتين والتي تسببت له بنكسة كادت أن تفقده حياته، لكنه بقى حي ميت المشاعر لا يقوى على ممارسة مستقبله الدراسي بسبب مشكلة طبية تسببت له بتبول لا إرادي.

 والدة علي تقول : حاولتُ جاهدةُ على أن يبقى علي في المدرسة لكن الاحراج الذي يقع به كل يوم بين زملائه دعاه لترك مقاعد الدراسة مرغما.

أرقام مخيفة للأطفال الذين يعيشون خارج العملية التعليمية، والمسؤولية مشتركة بين ضعف الوعي الأسري وغياب المعالجات الحكومية.

أسباب اقتصادية وتغيرات مناخية ونزاعات عشائرية هذا المثلث وراء التسرب المدرسي في هذه المنطقة 

أطفال خارج جدران المدرسة في ذي قار

قبل عدة عقود، بدأ النظام التعليمي في عدد من الدول العربية فكان العراق أولها، وبعد تسجيل العراق في سبعينيات القرن الماضي خلوه من الأمية ، ها نحن في مطلع العام 2024 وظاهرة التسرب المدرسي تتعمق وتتسع. آلاف، أو عشرات الآلاف من الأطفال ينتمون إلى “سوق” العمل في مطلع أعمارهم الفتية، من دون أن يمروا على النظام التعليمي أو أنهم هربوا منه مبكرا… وفي كلا الحالتين النتيجة واحدة.

ولعل التغيرات المناخية والتنقل بين القرى وبُعد المدارس اصبحت قوى طاردة ومبعدة للصغار عن المقاعد الدراسية، وتعد ايضا اسبابا قاتلة للمستقبل ومرهقة للحاضر، يضاف الى الفقر والعوز المادي وغياب الوعي الاسري فضلا عن اساليب الطرق التعليمية التي يفترض ان تكون مشوقة للطالب ووسائل ايضاحية تسهل عليه فهم المواد عبر دروس عملية وليست فقط نظرية.

المخطط الأسري الذي تسرده سعاد، ترويه كأنه الطبيعي والمنطقي. سعاد (41 سنة) أم لثلاثة أولاد وبنتين تتراوح أعمارهم بين (10 -20) أعوام.

لا تذكر الأب كثيراً في سردها، ويبدو أنه لم يكن له دور في حياتها اليومية ولم ترغب ان تذكر تفاصيل عن وجوده لاسباب تحتفظ بها لنفسها، لكن هذا لا يغير كثيراً في المجريات.. الأبناء الثلاثة متسربون من التعليم اذ تبلغ اعمارهم 10 سنوات و 12 سنة و 15 سنة، فقد تركوا المدرسة الواحد تلو الآخر. انخرطوا في سوق العمل بعد كثرة التنقلات بين القرى في الأعوام العشرة الاخيرة، فالمدارس تبعد ما لا يقل عن 10 كيلو متر تتخللها طرق فيها قنوات الري والبزل”. أما البنتان، فلهما ذات المصير الذي تعاني منه فتيات القرية، فهما مضطرتان الى ترك الدراسة بعد وصولها الى (13 و15 سنة).
بحسرةٍ تضيف ( سعاد ): لو كان بيدي لما سمحت بتركهما لمقاعد الدراسة لا أريد أن تتكرر مأساتي وأزوجهما وهما في سن الطفولة.

مخطط أسري

مخطط سعاد الأسري يترجم نفسه إلى أرقام صادرة من مسؤول الملف التربوي في مكتب حقوق الانسان احمد الموسوي: “في محافظة ذي قار للعام الدراسي  2022-2023 بلغ التسرب الابتدائي 7 الاف ، 4 الاف منهم ذكور و 3 الاف من الاناث، اما الثانوي فـ  2070  من الذكور و 587 من الاناث، فيما بلغ المتوسط 2312 ذكراَ و 2060 أنثى، وهي أعداد تتصاعد اذا ما تم مقارنتها بالعام السابق 2021-2022 إذ بلغ التسرب 4500 متسرب من التلاميذ تقريبا.

الأسباب … 

بالنسبة للابتدائية يعتبر السبب الأهم هو المستوى الثقافي وراء التسرب ونقصد بالمستوى الثقافي للاب والام اذ يرون ان الاهتمام بالتعليم لا ياتي ضمن اولياتهم فهم يكتفون بان يتعلم ابنائهم القراءة والكتابة فقط دون الحصول على شهادة تعليمية عالية، وايضا المستوى الاقتصادي من ناحية دفع ابنائهم نحو سوق العمل لاعالة العائلة سواء كان في الزراعة او الاعمال الحرة في السوق كأن يكون عامل بناء وغيره، أما الثانوي والمتوسط فيضاف لذلك العامل الاجتماعي وهو زواج الفتيات المبكر. وغالبا ما يزداد التسرب في المناطق الشعبية أكثر منها في المناطق الحضرية، ويقل في الريف نسبة الى المدينة، إذا ما استثنينا فئة الإناث فإن الأعراف الاجتماعية في الأرياف ترفع من تسرب الاناث.

وتُعد النزاعات العشائرية عاملا مساعدا على ترك التعليم وتتسبب غالباً بعدم انتظام الدوام الرسمي في مناطق هي محل نزاع بين العشائر، مضافا الى هجرة التلاميذ بعيدا عن مدارسهم وعدم القدرة على الوصول إليها خوفا من القتل أو الاختطاف.

النزاعات العشائرية

مصطفى (20سنة) كان طالبا مجداً ومن المتفوقين بين أقرانه حتى وصل الى مرحلة الجامعة، وبسبب نزاع عشائري بين عشيرته وعشيرة أخرى كان لمنزله نصيب من بين عشرات المنازل التي تم حرقها وأخرى تم تهجيرها الى مناطق اخرى، ترتب على ذلك تركه الجامعة بعد أن صار حبيس الدار خوفا من تعرضه للقتل كما حدث مع احد اقربائه الذي قُتل اثناء العودة من العمل .

مصطفى يقول : لا أريد لأمي وأبي أن يفجعا بي فأنا الوحيد لهما، ويبقى على أمل  بمواصلة تعليمه ولو بعد عشر سنوات .

 ولا يختلف حال ميثم كثيرا عن حال مصطفى فهو في السادس الاعدادي ومرّ عليه عام جديد دون أن يحصل على ورقة نقل لمكان أكثر أماناً ، فهو فرد من تلك العشائر المتنازعة فيما بينها، الأمر الذي يحول بينه وبين الوصول الى المدرسة للحصول على أوراق النقل للالتحاق بمدرسة بعيدة، وليس هو آخر من يعاني هذا الظلم بل يشاركه الكثير من أقاربه وجيرانه.

مصدر من داخل ادارة المدرسة ذكرت لنا ان إجراءات النقل تحتاج إلى طلب يقدم من قبل الطالب وبعدها تتم الموافقة وبعد ذلك يقوم الطالب بالذهاب الى المدرسة التي يرغب بالانتقال اليها.

علما ان الطلبة الذين هم ضحية هذه الاحداث لا يمكنهم الوصول الى المدرسة لاستكمال متعلقاتهم القانونية.

الانتقال من النزاعات العشائرية الى عمالة الاطفال

وعلى قارعة الطريق في إحدى مناطق الناصرية، تفترش رقية حسن (12 سنة) الأشياء البسيطة التي تبيعها. الفتاة التي تركت المدرسة وهي في الصف الثالث الابتدائي لا تتذكر من رحلتها الدراسية القصيرة إلا بعض التفاصيل الصغيرة التي تتعلق بأسماء صديقاتها، “اضطررت إلى ترك المدرسة بسبب الوضع الاقتصادي الصعب للعائلة، والذي سجلته بقولها: ” إخوتي الثلاثة وأنا نعمل لنعين أنفسنا والعائلة”.فقدت رقية والدها بمرض عضال وليس لديهم معيل غير انفسهم، اخوتها الثلاثة يعملون في تقاطع الطرق ببيع الماء ومسح زجاج نوافذ السيارات .اما منزلها فتسكن في عشوائيات المدينة في منزل يخلوا من اي سبل الراحة .

إجراءات حكومية غير فعالة وقوانين غير مطبقة

حيدر السعدي مستشار المحافظ لشؤون المواطنين يؤكد كلام كلٍ من مصطفى وميثم بعد أن نسب التسرب خلال هذا العام لأسباب متعددة منها النزاعات العشائرية التي باتت تهدد الكوادر التدريسية فضلا عن الطلاب.

ووفقاً لقانون إلزامية التعليم لعام 1976، فإن كل مدرسة مسؤولة قانوناً لإجراء المسح السكاني للمناطق المحيطة بها بالتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء ومديرية الأحوال المدنية، لإحصاء الأطفال الذين هم في السن القانونية للالتحاق بالمدرسة وإلزام أولياء أمورهم بتسجيلهم.

وأوضح الحقوقي مهند الكناني أن قانون إلزامية التعليم قد حجم من حالات التسرب من المدرسة، وإفلات الأولاد من إلزامية التعليم بسبب الإجراءات الرادعة التي تضمنها القانون، “إذ تقوم إدارات المدارس بحصر حالات ممن تخلف عن التسجيل، واستدعاء أولياء أمور الأطفال وإقناعهم بضرورة تسجيلهم، وبخلافه، فإن ولي الأمر معرض لدفع غرامة أو مواجهة الحبس لمدة لا تزيد على شهر واحد، ولا تقل عن أسبوع، وهذا يعتبر إجراء رادعاً بقوة القانون لكل حالات تقصير ولي الأمر عن تسجيل ولده “.

ويرى الكناني أن تطبيق فقرة القانون التي يعاقب عليها ولي الامر ممن تخلف عن تسجيل ابنه في المدرسة قد اختفت من حياة العراقيين فالقانون بإجراءاته الرادعة لم يعد يطبق، فغابت الإجراءات التي كانت تقوم بها المدارس ومؤسسات الدولة لإحصاء الأطفال الذين يحق لهم التسجيل في المدرسة وفقاً لسنهم القانونية.

وأدى عدم تطبيق هذا القانون وإجراءاته الرادعة إلى ترك موضوع التحاق الأطفال بالمدرسة إلى الإرادة الذاتية لولي الأمر، فهو وحده الذي يقرر بإرادته المنفردة من دون إلزام لتسجيل ولده في المدرسة، فإن لم يفعل فلا عقاب قانونياً عليه، وأدى ذلك إلى زيادة نسبة الأمية وتسرب التلاميذ من المدارس. وحمّل الكناني وزارة التربية مسؤولية الإخلال بهذا القانون، “وزارة التربية هي المسؤولة قانوناً أمام القضاء والمجتمع في إخلالها بتطبيق وتنفيذ هذا القانون، مع العلم أن عدم تطبيق القوانين يعد جريمة بموجب المادة 329 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969”.

قالت منى عيدان مديرة إحدى المدارس: “النسبة الأعلى للطلبة المنتظمين هي من الصفوف الابتدائية (التي تتضمن الصف الاول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس) بحكم قناعة غالبية العوائل بأن الشهادة الابتدائية كافية للتعليم خصوصاً للإناث، لتبدأ ظاهرة التسرب بالازدياد في المرحلة المتوسطة (الاول والثاني والثالث) والمرحلة الإعدادية(الرابع والخامس والسادس)، مضيفة في المرحلة المتوسطة والإعدادية تبدأ نسبة التسرب من الدراسة بالتصاعد ولا سيما للإناث، وبحسب تقارير يونيسكو، تبلغ نسبة تسرب الإناث 11.4 في المئة مقارنة بالذكور، إذ تبلغ نسبة تسربهم من الدراسة 5.4 في المئة”.

وبحسب تصريح علي الناشي مسؤول منظمة التواصل والاخاء الانسانية فإن المنظمة رصدت تسربَ أعداد كبيرة من الطلبة في المتوسطات والاعداديات ليبلغ عام 2023 أكثر من 15 ألف طالب متسرب ومن كلا الجنسين، وركزت سنة 2023 في مركز المدينة التسرب نتيجة البطالة والفقر والتفكك الأسري والاكتظاظ الكبير في المدارس وهناك العديد من المدارس تعاني من ازدواج الدوام بل أن البناية الواحدة تتعاقب عليها ثلاث مدارس ، مضافا الى المدارس التي تلكأ فيها الترميم ومازالت خارج الخدمة والمدارس الطينية والقصبية فضلا عن الكرفانية .

في آخر إحصائية أعلنها الجهاز المركزي للاحصاء التابع لوزارة التخطيط لعام 2019-2020، ان محافظة ذي قار تضم 180 بناية مدرسية حكومية للتعليم المتوسط والاعدادي، واغلب المباني المدرسية الدوام فيها مزدوج فكل بناية تضم مدرستين او اكثر ومنها 101 بناية تضم كل بناية مدرستين و34 بناية تضم كل بناية 3 مدارس و45 بناية تضم كل بناية مدرسة واحدة، وعادة ما تكون في المناطق الريفية لقلة طلبتها، ومن هذا العدد الإجمالي ان 72 بناية بحاجة الى ترميم، وبلغ فيها عدد الطلبة الموجودين في هذه المدارس أكثر من 207031 طالب موزعين على 5454 قاعة دراسية، اي بمعدل 38 طالب داخل القاعة الواحدة. أما عدد الابنية المدرسية الابتدائي 944 تضم 1354 مدرسة وبلغ عدد الطلبة فيها 416673 موزعين على 12400 قاعة دراسية، أي بواقع 34 طالب في القاعة الواحدة.

المسؤول الدولي شدد على “الحاجة لتعليمٍ نوعي يسمح للتلاميذ والطلبة العراقيين بالدخول في سوق العمل اي اشراكهم بورش فنية وعلمية تساعدهم على ايجاد فرص عمل جيدة تحافظ عليهم، والاندماج في المجتمع، فضلاً عن الاستمرار في دعم التعليم المهني والابتدائي والمتوسط والثانوي” اذ تتراوح اعمار هذه الفئة من 10 سنوات وحتى الـ 18 سنة.

وتبوأ العراق مراتب عالمية في جودة التعليم ومحو الأمية خلال سبعينيات القرن الماضي الا ان هذه المراتب تراجعت مؤخرا وحل العراق ضمن أكثر البلدان التي تعاني من ارتفاع الأمية.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق قراءة المزيد