مدل ايست اونلاين : الناصرية عاشت تحت جلد الفرات.. وذابلة اليوم
Sat, 15 Oct 2011 الساعة : 9:35

وكالات:
"القرية تتنفس في المدينة" بهذه العبارة المقتضبة يجيبني الصحفي عدنان السعداوي عند سؤالي عن جمالية المعمار في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار في جنوب العراق، ثم يردف قائلاً "المدينة تعيش أسوء أيامها، أنها مدينة بلا ملامح فحسب".
كثير من المثقفين والفنانين في المدينة لا يخفون تذمرهم مما يسمونه "تشويه" الحياة المدنية.
المدينة التي يبدو أنها أفاقت من سباتها الطويل ومكوثها المزمن في القرون الوسطى، صحت على حداثة مرتبكة المعالم، تراها تجهد لان تستوعب ما تمر به من تبدلات سريعة.
فبلدية المدينة تنفق الكثير من الأموال محاولةً إضفاء طابع جمالي على المدينة، لكن الأموال غالباً ما تنفق في طلاء أرصفة بألوان باهتة سرعان ما تذهب، لان هذه "الإصباغ" زائفة أو على الأقل "غير أصلية"، بعدها تعود البلدية للعمل نفسه وهكذا دواليك، تنفق الأموال الكبيرة المخصصة في عمليات تجميل بائسة لا يمكن إن تثير سوى المزيد من التساؤل عن "مدى قناعة القائمين على هذه الإعمال بها؟.
في القطاع الحكومي أيضا تحاول دوائر الحكومة المختلفة إن تجد لها منافذ لصرف أموال غالباً ما تنتهي بعمليات طلاء خارجية وشراء أثاث حديث، واجهات الدوائر مطلية بألوان جديدة لكنها باهتة، تدل على عدم وجود ذوق فني في عمليات التجميل الباهضة الكلفة.
في الأعوام السابقة أعادت الحكومة المحلية تأهيل وبناء عدة أبنية حكومية، إلا أنها بدت أكثر تشويهاً لتراث وروح المدينة من السابق، فمثلاً الجدار الخارجي لبهو الإدارة المحلية وسط الناصرية لا يمكن إن تلمس فيه أي بعد جمالي، فحتى الأقواس المستخدمة لا تنتمي الى الفن السومري أو الإسلامي، جدران هجينة بين العمارة الغربية والشرقية، وتفتقر الى ابسط مقومات الخيال الجمالي، لا تختلف بنايات أخرى عن نسق بناء جديد أتى به "مقاولون" محليون وبالتعاون مع مهندسين يفتقدون الى البعد الثقافي وإلمام بالتراث في عملية إعادة تأهيل المدينة.
يقول فنان تشكيلي من ابناء المدينة "لا تستغرب إن ترى بنايات حكومية أو أهلية تضع إعمال نحتية أو فنية لتجميل الواجهة، لكنها في الغالب لا تثير سوى القرف والتقزز لدى المشاهد، فهم يستعينون بأناس حرفيين لتنفيذ مثل هذه الإعمال، وهولاء غالباً بلا رؤية جمالية أو فنية".
كلام واقعي جداً فمثلاً تتقدم واجهة بناية مؤسسة السجناء السياسيين نحت خارطة العراق لا تثير لمن يشاهدها سوى الرغبة العارمة بالضحك..!! كونها تبدو مترهلة أكثر من اللازم، إضافة الى طلائها بلون اخضر غامق جداً.
يعلق مسؤول في المدينة بقوله "مفارقة...أكثر من 10 مغاسل للموتى في المدينة ولا دار سينما...".
يقول الكاتب صلاح الموسوي معلقاً على الموضوع "شيء يثير السخرية ما تعيشه المدينة التي عرفت الحداثة مبكراً، لكنها تنكص دون إن تجد من يقف ليشخص هذا النكوص"، ويضيف الموسوي "تصور إن مدينة تتناسخ فيها مغاسل الموتى وتنتشر في كل إحيائها السكنية، ولا توجد فيها دار سينما واحدة!!، أنها صناعة متقنة للموت فحسب".
الموسوي لا يكتفي بهذا القدر بل يؤكد "تصور الفساد يمتد الى إن الكثيرين يتقدمون لاستملاك قطع ارضي كبيرة في وسط المدينة بحجة إقامة مغتسلات للموتى لكنهم يقومون ببناء منازل لهم"!
وتعتزم الإدارة المحلية إعادة تأهيل المدينة الأثرية في أور ضمن مخصصات المحافظة، فيما أبدى عدد من المتخصصين والمهتمين مخاوف من إن تكون العملية أشبه بما يجري في المدينة الحاضرة، من أحالة مثل هذه الإعمال الى "مقاولين" لا يفقهون إلف باء العمل الفني والجمالي والاثاري، والمقاولون بدوهم يأتون بحرفيين "غالباً" ما يأتون من القرى والأرياف المجاورة في عملية التأهيل.
المصدر:مدل ايست اونلاين - حيدر الحجامي