سكنة مناطق الطمر الصحي : واقع فرضه البؤس والفقر والحرمان في ذي قار
Tue, 28 Feb 2012 الساعة : 8:07

وكالات:
يشمت الفقر بضخامة أرقام ميزانية البلاد، كونه ينتشر في أذناب المدن، فوق حقول الذهب الأسود، هناك حيث لا أحد ينتبه، تقبع عوائل مكونة من أولياء أمور معوقين ومرضى يهتم بأمرهم أطفال صغار يبحثون بين النفايات على علبة معدنية او قنينة بلاستيكية ليستبدلوها بلقمة خبز او بضع طماطات تشبع جوع الأفواه المفتوحة.في أطراف جنوب مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار حيث مواقع الطمر الصحي تتخذ أسر فقيرة من الصفائح المغطاة بالأتربة سقوفا منخفضة ومن الألواح الخشبية والحديدية جدرانا لتصبح مأوى لهم نقشوا على أرضه ذكريات تعيسة لأيام قليلة تنتهي بعد وفاتهم نتيجة إصابتهم بمرض السرطان او ذات الرئة جراء استنشاقهم لروائح كريهة وأبخرة سامة تنطلق من مكبات النفايات.
أنهر من القمامة
اطفال وعائلات تعيش على النفايات لتعود بقوتها اليومي وهم لا يفكرون بالذي يخبئه لهم الغد، أقول ان مأساة تلك الأطفال وصرخاتهم الخافتة والتي تخرج من شفاههم التي يغطيها سواد الدخان لا تجد من يسمعها او ان هنالك من يسمعها ولا يجيبها ويغلق أذنيه ليعود صداها إليهم مرة أخرى فمنذ ساعات الصباح الأولى تقودهم أقدامهم الى منطقة الطمر الصحي والتي تقع جنوب مدينة الناصرية بحثا في مكباتها عن بقايا ما جادت به موائد الأغنياء والميسورين، أطفال بعمر الورود ألهتهم نيران الأدخنة المتصاعدة جراء حرق النفايات ولسعات برودة ساعات الصباح الأولى عن البحث في حقائبهم المدرسية التي تركوها ولم يروها ليلجؤوا الى عالم العمل القسري الذي فرضه عليهم البؤس والفقر والحرمان، أطفال جميعهم يعيلون عوائل فقدت الأب والأم او حتى مع وجودهما إن كانا عاجزين لا يبالون من الأخطار المحدقة بهم والتي اعتادوا عليها، فالشرطة ودورياتها تطاردهم وهم يختبئون بين أكداس تلك النفايات السامة. فالأدخنة المتصاعدة جراء حرق النفايات هي خطر بحد ذاته كما يذكر ياسر ذو الـ 12 ربيعا، يقول إن ابن عمه الذي كان رفيقه في العمل بالبحث في النفايات قد توفي قبل أشهر بسبب مرض سرطان الرئة، ولكنه لا يبالي ولا يخاف المرض او الموت لأنه يعتقد انه لا وجود ولا بديل آخر له، فهو أمام خيارين؛ أما الموت من الجوع او الموت بسبب ما قد يلحقه البحث في مكبات النفايات من ضرر، ويضيف ياسر انه تعوّد الجلوس في صباح كل يوم تأخذه أقدامه الى منطقة الطمر الصحي للبحث عما قد تطال يداه اللتان صبغتهما أعمدة الدخان باللون الأسود وهو يشق أنهر بأكوام القمامة للعثور على قناني "البيبسي كولا" الفارغة لجمعها وبيعها بأثمان بخسة قد يستطيع أن يعود فيها الى البيت ليحمل لهم كيسا فيه كمية من الطماط او البطاطا لتكون وجبة للغداء والعشاء.
ملابس متعفنة
سلوى طفلة بعمر الورد ذات الجدائل الشقراء التي امتزجت بألوان أخرى أحرقتهما حرارة الشمس ووجهها المخلوط بين حمرته الأصلية وما تلطخ به من غبار الأدخنة المتصاعدة من حرق النفايات، الأمنيات في عينيها كانت حاضرة في أن تكون مثل قريناتها اللاتي يجلسن في مقاعدهن الدراسية، وتتمنى أيضا أن يأتي عيد من أي الأعياد وما أكثرها في بلدها وأن ترتدي ثوبا جميلا ونظيفا غير ملطخ او قد تشم فيه الرائحة العفنة التي تلتصق مما ينبعث من تلك النفايات لتقضيه في إحدى مدن الألعاب حتى وإن كانت مراجيحها من جذوع النخيل، سلوى هي الفتاة الوحيدة لأب عاجز يرقد في مكان لا يصلح أن يطلق عليه منزل بل كوخ، جدرانه من جذوع النخل وسقفه من أكوام الصفيح، تقول سلوى إنها تعود بما تجود به يداها من البحث في أكوام القمامة في منطقة الطمر الصحي لتبيعه بأثمان زهيدة تشتري مقابلها ما قد يسد جوعها وعطشها هي ووالدها.
فقر مدقع
ويشير مختصون في الشأن الاقتصادي الى أن غياب البرامج الحكومية لمكافحة الفقر لاسيما الستراتيجية منها تجعل منه مشكلة تتفاقم يوما بعد يوم وتأخذ أكثر من بعد تؤثر على بنية المجتمع.
إذ يؤكد المختص في التنمية الاقتصادية إحسان الطائي، أن هنالك حالات فقر مدقع في محافظة ذي قار والمحافظات الأخرى وهنالك عائلات تعيش الفقر بكل أشكاله بعضها تعيش على مساعدات سواء من الحكومة المحلية او المؤسسات الدينية او منظمات إنسانية. ويشير الى أنه لا يوجد شعب يعيش طيلة عمره على المساعدات والهبات، داعيا الى إيجاد وسائل تمكنهم من انتشال هؤلاء الأطفال من هذا الواقع المرير، من خلال بناء دور لإيوائهم أو توفير سكن واطئ الكلفة لهم تتبناه الدولة حتى يصبحوا عوائل منتجة تعينهم على مغادرة الفقر.
فقر يطفو على الذهب
للفقر هنا حكاية عجيبة والمفارقة انها في محافظة عائمة على بحيرات من النفط غير المنقبة، معادلة فيها تناقض كبير وقبله تساؤل أكبر.
ويؤكد قائممقام قضاء الشطرة حسين عزيز الغالبي، أن الحكومة المحلية في القضاء حصلت على معلومات نتائج المسوحات التي أجرتها الفرقة الزلزالية الثانية للاستكشافات النفطية، أظهرت مؤشرات عن وجود كميات كبيرة من النفط في مناطق شرق الغراف.وأوضح أن عملية المسح الأولية التي قامت بها تلك الفرق في تلك المناطق قبل ستة أشهر واستمرت لأكثر من سنة ونصف السنة أظهرت أن تلك المناطق عائمة على بحيرات من النفط، مضيفا ان الدراسات التفصيلة بيّنت أن تلك المساحات من مناطق شرق الغراف والتي تمتد من ناحية الغراف وحتى ناحية قلعة سكر، لم يجر التنقيب فيها حتى الآن.ودعا الغالبي وزارة النفط للاستفادة من هذه الثروات بتطوير وتنمية الاقتصاد العراقي وتشغيل البطالة والتخفيف من نسبة الفقر في المحافظة.
بطالة
وتأتي نتائج تلك المسوحات والاستكشافات النفطية في أغلب مدن المحافظة التي بلغ عدد سكانها 1804155 نسمة، في ظل ارتفاع نسبة الفقر والبطالة التي تشهدها المحافظة، إذ بلغت نسبة البطالة من خلال نتائج مسح التشغيل والبطالة لعام 2008، 25 بالمئة، وهو آخر مسح أجري بسبب قيام الجهاز المركزي للإحصاء بعمليات الحصر والترقيم لعامي 2009 و2010، بحسب مدير دائرة الإحصاء في ذي قار عباس داود شناتي.
وأوضح شناتي أن معدل نسبة الفقر في المحافظة بلغ 34 بالمئة بحسب نتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة في العراق والذي أطلق لأول مرة ستراتيجية وطنية للتخفيف من الفقر.
سكن
وكشفت دائرة الإسكان في ذي قار مؤخرا عن حاجة المحافظة الى 230 ألف وحدة سكنية، وأظهرت نتائج دراسات وإحصائيات أعدتها الدائرة في وقت سابق أن أكثر من 12 فردا يسكنون في الدار الواحدة، يشكلون (4 - 6) عائلات.
وقال مدير دائرة الإسكان، المهندس صاحب عبد الأمير الحمداني، ان الدراسات المتعلقة بالإسكان في المحافظة بيّنت أن العجز في عدد الوحدات السكنية الذي يأتي من تراكمات السنوات الماضية السابقة ولغاية العام الماضي نحو 220 ألف وحدة سكنية، يضاف اليها معدل 10 آلاف وحدة سكنية سنويا من النمو السكاني المضطرد والانشطار العائلي ليصبح المجموع 230 ألف وحدة سكنية تمثل حاجة المحافظة لحل أزمة السكن.
المصدر:الصباح